قطعت علاقة الحب الطويلة بين الفن والموضة شوطًا طويلًا وساعدت مصممي الأزياء على تصميم العديد من القطع الشهيرة الرائعة. وقد أدى الانبهار المتزايد بالفن إلى قيام المصممين بدمج الأعمال الفنية الشهيرة في تصميماتهم لمنحها لمسة معاصرة. فقد تم تحويل رسم الفنانين السرياليين والمنتمين للحركات الحديثة والمعاصرة وكذلك الفنانين من أمثال سلفادور دالي، مونيه وبيت موندريان وآندي وارهول وداميان هيرست وغوستاف كليمت ورينيه ماغريت من أعمال الفنية إلى أزياء يمكن ارتدائها وتدب بها الحياة على منصات عروض الأزياء الدولية.
لذلك دعونا نلقي نظرة على بعض أهم عمليات التداخل والتعاون على مر التاريخ:
كانت إلسا شياباريللي _التي تميزت بخيالها الخصب_ واحدة من أبرز الشخصيات النشطة في مجال الموضة بين الحرب العالمية الأولى والثانية. وكانت طبيعتها التي تميل لكل ما هو غريب مناسبة تمامًا لعبقرية سلفادور دالي. كانت المصممة الإيطالية تتطلع إلى الفنان سلفادور دالي لتبتكر بعضا من أفضل أعمالها ، مثل فستان لوبستر الذي صممته عام 1937، والذي يحمل رسما لاستاكوزا عملاقة رسمه دالي كإحياء مرح للوحته المبدعة التي رسمها عام 1934 “تليفون لوبستر “بالإضافة إلى قبعة الحذاء المصنوعة من حذاء نسائي بكعب عالٍ صممته جالا زوجة دالي.
كان لأعمال موندريان تأثيرا قويا على الموضة بعد وفاته في عام1944 بفترة طويلة. وكان المصمم الفرنسي الأسطوري إيف سان لوران _ الذي كان أحد كبار المعجبين بالفن_ يعتقد أن الموضة هي الفن. وقد تضمنت مجموعته الخاصة أعمالا لهنري ماتيس وكونستانتين برانكوسي وبابلو بيكاسو. لذا فلا عجب أن تصبح القطع الفنية مصدرا لإلهامه. وكان أكثرها تميزا وخلودا حتى الآن، مجموعة موندريان لخريف/ شتاء 1965 المكونة من ستة فساتين كوكتيل بتصميم A-line والتي استحوذت على خيال الجمهور وفتحت آفاقا جديدة لدور الفن المستقبلي في مجال الموضة.
كان عبقري فن البوب آندي وارهول يتمتع بانبهار قديم بالموضة. بدأ وارهول في الرسم التوضيحي للأزياء حيث عمل في مجلات الموضة اللامعة لتصميم إعلانات لمنتجات مثل قفازات Schiaparelli. وبعد وفاته، تم تعزيز مكانة وارهول في قاعة مشاهير الأزياء من خلال مجموعة فن البوب لعام 1991 لجياني فيرساتشي، والتي تضمنت نسخة مرصعة بالجواهر من الملابس المطبوعة بصور الفنانة مارلين مونرو ذات الألوان المتوهجة.
لا شك أن مزيج الفن والموضة ناجح للغاية، لذا تعاونت داميان هيرست مع بيت التصميم البريطاني ألكسندر ماكوين لتصميم مجموعة من الأوشحة تتضمن30 إصدارًا محدودًا في عام 2013. ويعكس هذا العمل نتيجة اجتماع اثنين من أكثر العقول التي تميل للكآبة في عالم التصميم المعاصر وهو مستوحى في الأصل من قصيدة الجحيم لدانتي . تتميز التصميمات الحصرية بالفراشات والعناكب والحشرات الأخرى التي تزحف بأشكال هندسية متقنة تم تصميمها لتصنع شكل جمجمة ماكوين المميز.
مارك جاكوبس هو المصمم الذي نقل الإلهام الفني إلى المستوى الأعلى! فقد قام بدعوة تاكاشي موراكامي للعمل على مجموعة من حقائب اليد المشهورة الآن لـ Louis Vuitton والذي أعاد اكتشاف شعار LV الخاص بالشركة. يجعل الفنان الياباني المعاصر تاكاشي موراكامي _ الرائد في عمليات دمج تخصصات متعددة والذي يتميز أيضا بموهبته في الرسم والنحت وبعقليته التجارية الناجحة _ الموضة وكأنها لوحة بيضاء يستخدمها للتعبير عن نفسه. وقد تضمن تعاونه مع Louis Vuitton العديد من التصميمات الأخرى، بما في ذلك مجموعات Monogramouflage و Cherry Blossom و Character Bag ، كل منها تقدم لمسات مرحة مبتكرة على أيقونة العلامة التجارية ل Louis Vuitton . وقد انتهى تعاونهما في عام 2015 لكن موراكامي قام بمزيد من التعاون التجاري المثمر مع صانع الأحذية الرياضية Vans.
في عام 2017 قامت العلامة التجارية الفاخرة Louis Vuitton بالتعاون مع الفنان المقيم في نيويورك جيف كونز ليزين مجموعته من الحقائب “Masters” بلوحات شهيرة من أجل Louis Vuitton. أثمر هذا التعاون عن مجموعة رائعة تميزت بالجمال والحيوية وحازت على نجاح كبير غير متوقع، لدرجة أن العلامة التجارية الفرنسية العريقة أعادت التواصل مع الفنان المعاصر لتتعاون معه مرة أخرى. فأنت لا تحصل على حقيبة Vuitton فحسب، بل تحصل أيضا على واحد من أعمالك الفنية المفضلة مع سيرة ذاتية وصورة لمبدعه المميز مثل دافنشي ومونيه وفراجونارد وجوجان وتيرنر.
ونحن نشهد الآن ذروة عقود من الابتكار والإبداع والتعاون بلا حدود بين الفن والموضة في جميع أنحاء العالم.
واتباعا لمبدأ أن الفن ليس هو فقط ما تجده معلقًا في متحف أو داخل الأُطُر، بدأ في عام 2016 لأول مرة في مصر تعاون بين الفن المصري المعاصر وتصميم الأزياء من خلال فناني معرض ArtTalks ومصممة الأزياء المصرية دينا المسيري: Art to Wear . كانت ملابس دينا المسيري ذات اللمسة الفنية ,التي تصور لوحات لأشهر الفنانين المصريين المعاصرين مثل جرجس لطفي وهادي برعي وإيمان أسامه وحسام دردير ووريهام السعدني، عبارة عن عرض لتصميمات رائعة يتم ارتداؤها بدلاً من تعليقها على الحائط .
لا يمكن للمرء أن يتعامل مع مشهد الموضة في الشرق الأوسط دون ذكر فنانة رسم الجداريات الفلسطينية المولد والرسامة الزخرفية ، جنان شحادة ، ملكة تصميم السلع الفاخرة حسب الطلب في الشرق الأوسط. وقد حطمت هذه الريادية القواعد بموهبتها وجرأتها بإضافة لمستها لتحويل حقيبة Louis Vuitton أو Hermès إلى قطعة فنية ذات طابع شخصي. فهي تكسر الملل لتجعل زبائنها يشعرون بالتميز والانفراد لأن إضفاء الطابع الشخصي هو قوتها الدافعة. وفي عام 2019 ، أخذتها روحها غير التقليدية في مغامرة كبيرة عندما قامت برسم عملا فنيا لافتا للانتباه على سيارة Mercedes من الفئة G، حيث قامت Mercedes-Benz بالاستعانة بها كجزء من حملة “ She’s Mercedes ” الخاصة بهم ، والآن هناك حديث عن تجديد طائرة! فمدمنة الفن هذه لا يمكن إيقافها أو إيقاف إبداعها وموهبتها وطموحها، وتضيف فرشاتها المجنونة الجامحة قيمة ومضمونًا إلى القطع المصنوعة من مواد غير تقليدية كمواد للرسم لتحولها إلى روائع شخصية مثيرة للاهتمام
ولا تقتصر الموضة على ارتداء الأزياء فقط، بل هو شيء تضيفه إلى منزلك. وعندما ترغب في مزج الفن بالموضة ، يجب عليك اكتشاف سوزي فاضل نصيف، وهي فنانة معاصرة تصنع إصدارًا محدودًا من الفنون القابلة للارتداء والإكسسوارات المنزلية. وقد ولدت الفنانة الشهيرة سوزي فاضل ناصيف في لبنان وترعرعت في الإمارات العربية المتحدة، وهي تثير دهشة وانبهار عشاق الفن بلوحاتها. إنها راوية القصص الأسطورية شهرزاد بطريقتها الفنية الخاصة حيث تستخدم الألوان والوجوه والمراحل والوسائط والفرش والقماش وروحها كأدوات لرواية قصصا لأكثر من ألف ليلة وليلة! وقد قررت سوزي مدفوعة بالتعددية الثقافية التي تتمتع بها وطموحها الذي لا يشبع وحبها للحياة، أن تأخذ إلهامها الفني إلى ما وراء اللوحات والجدران ، مما يجعل فنها أقرب إلى حياة الناس ، من خلال مجموعة صغيرة حصرية من القطع القابلة للارتداء والوسائد ذات اللمسة الفنية التي تمثل عرضاً فنيًا فريدًا لرسومها الرائعة المميزة.
لاشك أن الفن والموضة حوار سيستمر طويلا. والعلاقة بينهما تزدهر بمرور الوقت، حيث يزداد عدد المواهب المميزة في عالم الفن المعاصر الذين يضعون لمساتهم على عالم الموضة الساحر ويستمد مصممو الأزياء إلهامهم من الفن.
وكما قال أوسكار وايلد: “يجب على المرء إما أن يكون عملاً فنياً ، أو أن يرتدي عملاً فنياً”.
بقلم شيرين شفيق، مديرة معرض ArtTalks القاهرة، مصر
للمزيد من أخبار الموضة انقر هنا